الاثنين، 15 مارس 2010

منهجيات البحث العلمي

اما المنهجيات فهي سياقات عمل وترتيب للأسبقيات يتبعها الباحث لانجاز البحث بأقل مايمكن من الهدر في الوقت والجهد والموارد وصولا الى أحسن وأدق النتائج، وقد ترسخت هذه السياقات عبر سنوات طويلة من البحث العلمي وهي لاتزال وستبقى في تطور مستمر.
ومن اول الخطوات القياسية ضمن هذه المنهجيات هي مبررات Justifications البحث، بمعنى ماهي الدوافع التي تجعلنا نفكر في انجاز هذا البحث، ويجب ان تكون مبررات موضوعية واضحة المعالم تحدد جدوى البحث. وتلي هذه الخطوات تحديد أهداف Aims واضحة ومحدده يريد ان يصل اليها الباحث لتحقق المبررات. عندئذ يستطيع الباحث تحديد متطلبات البحث من موارد بشرية وأجهزة ومختبرات ومواد مختبرية واستبيانات ووقت وموارد مالية وتحديد الجهات المستفيدة من البحث والجهات المقترحة لتمويله، وان توثيق هذه المتطلبات يعد من اهم الخطوات في منهجيات البحث. وعلى الباحث إجراء مسح شامل للدراسات التي تتعلق بالبحث وما حوله من مواضيع ذات علاقة لكي يبني تصورا شاملا عن الموضوع، ويوثق هذا المسح في فقرات خاصة بمراجع هذه الدراسات ضمن منهجية البحث للعودة الى هذه المرجع من قبل الباحث نفسه او من قبل المهتمين.
بعد توثيق هذه الفقرات في خطة بحث متكاملة، يتم عرض مشروع البحث في حلقات نقاشية مستفيضة مع ذوي الخبرة والاختصاص من الباحثين في المؤسسة العلمية التي يعمل فيها الباحث من اجل تشخيص السلبيات وتعميق الايجابيات وتقويم وتعديل الخطة لتلافي الخلل قبل وقوعه، عندئذ تصبح خطة البحث جاهزة لعرضها لصناع القرار والجهات المستفيدة لاحاطتهم علما بالمشروع البحثي لتمويلة ولمنع التقاطعات مع جهات أخرى ذات علاقة بموضوع البحث، بعد ذلك يتم إقرار البحث ضمن الخطة البحثية للقسم العلمي او المركز البحثي وتتم المصادقة عليها من قبل مجلس الكلية او الجامعة.
ان هذه المنهجيات هي ليست ضربا من ضروب الخيال، وإنما هي سياقات سلسة وممكنة التطبيق واعتمادها يسهل البحث ولا يضيف اليه أعباء جديدة بل انه يعمل كجهاز حماية للباحث يحميه من فقدان او نسيان مكون من مكونات البحث ويساعده على تدارك الخلل قبل وقوعه، ولكن للأسف اقول بان كثير من الخطوات القياسية في منهجيات البحث العلمي معطلة من قبل الكثير من الباحثين وليست جميعهم وهذه من اهم المشاكل التي تواجه البحث العلمي في جامعاتنا وهي اخطر من نقص الأجهزة والمواد وغيرها من المعوقات.
فموضوع البحث يختاره الباحث من بنات افكارة دون علم حتى مؤسسته او الجهات المستفيدة او جهات صنع القرار بل انه في بعض الأحيان لا توجد جهة مستفيدة أصلا. ثم ان في كثير من الأحيان لا احد يعلم بالبحث ولا موضوعة حتى ينشر وقد لا يعلم به احد حتى بعد النشر الا اللهم لجنة الترقيات العلمية. وهذا خلل كبير في منهجية البحث، فالمفروض أن يستمر الباحث بعرض ما أنجزه من البحث بعد بدء التنفيذ وبشكل دوري في حلقات نقاشية مع ذوي الاختصاص في المؤسسة لتلافي الإخفاقات، حينها ينجز البحث بأقل مايمكن من النقص وحينما يرسل للتقويم والتقييم والتصويب ستكون السلبيات قد عولجت سلفا لانها ستخضع للنقد في كل حلقة نقاشية ومن قبل اكثر من متخصص، ولكن هذه السياقات غير معتمده في مؤسساتنا وان اعتمدت فليس بمستوى الطموح، ومن هنا ومن هذا المنبر نوجه الدعوة الى قيادة الجامعة لتبني هذه المنهجيات وبشكل خاص اخضاع المشاريع البحثية لحلقت نقاشية وورش عمل بحثية قبل إقرارها واثناء استمرار العمل فيها وصولا الى بحث علمي رصين يعود بالفائدة إلى الجميع.
هناك توجه عالمي للعمل البحثي الجماعي حيث تشكل الفرق البحثية حسب متطلبات البحث والاختصاصات ذات العلاقة، والهدف من ذلك هو أحكام البحث من جميع الجهات. فليس المهم ان تظهر أسماء الباحثين على البحث فقط، المهم أن يؤدي البحث غرضه وينجز بأعلى ما يمكن من الدقة، وفي هذا المجال توجد مشكلة يمكن أن نطرحها أمام أصحاب القرار في الجامعة والوزارة، ففي الوقت الذي تتجه فيه الأكاديميات في العالم نحو العمل الجماعي حيث يصل عدد الباحثين أحيانا إلى أكثر من عشرة أشخاص في البحث الواحد، ولكن في العراق يحتسب البحث للباحثين الثلاثة الذين تظهر أسمائهم أولا في حين يهمل جهد الباحثين الآخرين سواء في الترقية العلمية أو تقييم أخر وهنا نؤكد الحاجة الى رفع هذا الشرط لفتح الباب أمام العمل الجماعي في البحث العلمي